الرسوم الجمركية الجديدة لترامب: معركة إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي

الرسوم الجمركية الجديدة لترامب: معركة إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي

الرسوم الجمركية الجديدة لترامب: معركة إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي

أدى نهج الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، في فرض تعريفات جمركية مرتفعة على عشرات الدول حول العالم إلى إعادة تشكيل قواعد اللعبة التجارية الدولية، وألقى بظلال كثيفة على أسواق المال والاستثمار والاستقرار في عدة قارات، وصولاً إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

كيف تحركت آلة الرسوم الجمركية الأمريكية؟

بعد انتهاء المهلة النهائية التي حددها ترامب لتقديم عشرات الدول عروضاً لاتفاقات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، دخلت الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ في أغسطس، بمعدلات تصاعدية تتراوح بين 10% وتصل إلى 145% كما حدث مع الصين. تلك السياسات وُصفت بأنها تصعيد غير مسبوق في الحروب التجارية الحديثة، وعُرفت إعلامياً بـ”سياسة أمريكا أولاً”.

استُخدمت تلك التعريفات كأداة ضغط وتفاوض لانتزاع تنازلات من الشركاء. بالفعل، نجحت الإدارة الأمريكية في إبرام صفقات مع قوى اقتصادية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي (بنسبة رسوم 15%)، بريطانيا، اليابان، وفيتنام، في حين وقعت اقتصادات مثل كندا، المكسيك، تايوان، الهند، ودول أخرى في شباك تعريفة مرتفعة بداية من أغسطس الجاري. في المقابل، تم التوصل إلى “هدنة تجارية” مع الصين شملت تعليق بعض التعريفات مؤقتاً مع استمرار بعض القيود، تحديدًا بعد فرض تعريفات كبيرة على السلع الصينية وصلت إلى 145%.

Web_Photo_Editor-7-1 الرسوم الجمركية الجديدة لترامب: معركة إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي

أمريكا أولاً… والبقية يتفاوضون تحت الضغط

استراتيجية ترامب مثلت انحرافاً عميقاً عن أسس النظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. وصفت هذه السياسة بأنها “تصعيد ممنهج للضغوط” على الشركاء لإعادة صياغة العلاقات التجارية بما يخدم المصلحة الأمريكية بشكل أحادي وأولي.

فعلى سبيل المثال، بعد مفاوضات ضاغطة تم تحويل اتفاق “نافتا” إلى “USMCA” مع المكسيك وكندا بفرض شروط أمريكية جديدة، ورسوم مثل 35% على كندا و39% على سويسرا و25% على الهند. أما الدول التي لم تتوافق مع شروط واشنطن فأصبحت منتجاتها في وضع غير تنافسي داخل الأسواق الأمريكية بسبب الرسوم الباهظة.

تداعيات اقتصادية عالمية: أسعار أعلى واضطراب في سلاسل التوريد

لم تكن نتائج الرسوم الجمركية محصورة في حجم التجارة فقط، بل تخطتها إلى التسبب في ارتفاع أسعار السلع المستوردة داخل الولايات المتحدة ذاتها، وهو ما أثر مباشرة على المستهلك الأمريكي على صعيد التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة. هذا الصعود في الأسعار أربك خطط البنوك المركزية حول العالم وقيد من قدرتها على تحقيق التوازن بين احتواء التضخم ودعم النمو.

من جهة أخرى، أدت اضطرابات سلاسل التوريد، الناجمة عن الرسوم والمفاوضات العقابية، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في آسيا وأوروبا، وسارت أسواق المال العالمية في موجة من عدم اليقين مع تراجع معدلات الاستثمارات العالمية.

الشرق الأوسط والمنطقة العربية: التأثير غير المباشر وأهمية التنويع

على الرغم من أن المنطقة العربية ليست طرفاً رئيسيًا في مفاوضات ترامب التجارية، إلا أن اقتصاداتها تأثرت عبر عدة قنوات. فقد أسهم اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى التغيرات الحادة في أسعار السلع الأساسية، في زيادة تقلب الأسواق المحلية وتراجع الطلب العالمي على الصادرات العربية. كما تضرر تدفق تحويلات العاملين بالخارج بسبب تباطؤ اقتصاديات الدول المضيفة الرئيسية كأمريكا ودول الخليج.

دول عربية عديدة وُضعت على قوائم الرسوم الجديدة: 15% على الأردن، 25% على تونس، 30% على الجزائر وليبيا، 35% على العراق، و41% على سوريا، ما يعني ارتفاع تكلفة نفاذ السلع إلى الأسواق الأمريكية وقدرتها التنافسية عالمياً، ويفرض ضغوطاً إضافية على موارد النقد الأجنبي لهذه الدول.

واتسعت دائرة التأثير إلى استثمارية وتنموية، إذ حذّر خبراء الاقتصاد من خطر انتقال رؤوس الأموال إلى مناطق أكثر استقرارًا، وتقليص تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى الدول الناشئة، وهي نقطة تزاداد خطورتها بالنسبة لدول مثل مصر التي تعتمد على هذه التدفقات لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.

Web_Photo_Editor-8-1 الرسوم الجمركية الجديدة لترامب: معركة إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي

الرسوم وسياسة التفاوض… من الاقتصاد إلى السياسة

استخدمت إدارة ترامب الرسوم كأداة سياسية مباشرة للضغط في ملفات أبعد من الاقتصاد، إذ ارتبطت قضايا مثل الأمن الحدودي والهجرة بفرض أو رفع الرسوم على شركاء مثل كندا والمكسيك. هذه السابقة الخطيرة زادت من تعقيد التعقيدات التجارية وصعبت إيجاد حلول مستدامة.

وبينما اندفع بعض الشركاء لتوقيع اتفاقيات ثنائية بشروط أمريكية قاسية، اختارت دول أخرى خيار المواجهة، مع بقاء مناخ الاستثمار العالمي هشاً ومحكوماً بانعدام اليقين وقابلية الأسواق للمفاجآت، في وقت تزداد فيه الحاجة لسلاسة حركة التجارة الدولية.

كيف يمكن للدول العربية الاستعداد؟

تستدعي التحولات الجذرية في السياسة التجارية الأمريكية من الاقتصادات العربية اتخاذ مسارات وقائية، كتنويع الشركاء التجارين والأسواق، وتعزيز التكامل الإقليمي وتوسيع القاعدة الإنتاجية المحلية. كما بات من الضروري بناء تحالفات قادرة على تحسين الموقف التفاوضي، وتعزيز الاستثمار في الابتكار وصناعة القيمة المضافة محليًا، تجنبًا لاختراقات السياسات التجارية المفاجئة للدول الكبرى.

أحدثت سياسات ترامب التجارية هزة واسعة في الاقتصاد الدولي، ونقلت العلاقات التجارية من نموذج التعاون إلى نموذج المواجهة المدفوعة بالمصالح الضيقة. وبينما استفادت أمريكا مؤقتاً من رفع الرسوم وتحقيق مكاسب تفاوضية محدودة، دفع الاقتصاد العالمي – والاقتصاد العربي معه – ثمنًا باهظًا من تقلب الأسعار وتباطؤ النمو وأزمة ثقة الأسواق واستثمار الموارد. يظل الدرس الأهم للدول النامية والدول العربية هو تعزيز الثقة في الذات الاقتصادية وتوسيع آفاق الشراكات لتقليل المخاطر المتولدة عن سياسات الخارج والرهان على تحولات اللحظة الراهنة.

 

ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.

موقع المنبر

Share this content: