وداعاً سيد صادق

الفنان سيد صادق

وداعاً سيد صادق

رحيل “رجل الأدوار المركبة” وصوت الدراما الذي لن يُنسى

ودّعت الساحة الفنية المصرية، وجمهور السينما والدراما، صباح اليوم أحد أعمدة التمثيل الموهوبين في مصر والعالم العربي، إذ أعلن لؤي السيد، نجل الفنان القدير سيد صادق، وفاة والده عن عمرٍ يناهز 80 عامًا، بعد مسيرة طويلة صنعت له مساحة فنية وجماهيرية لا تضاهى. جاء الخبر كصدمة صامتة في قلوب محبي الفن الحقيقي، وكتب نجله عبر حسابه على “فيسبوك” كلمات مؤثرة:

“إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون.. توفي إلى رحمة الله الراحل العظيم والدي (سيد صادق)… صلاة الجنازة عقب صلاة الجمعة بمسجد الشرطة بالشيخ زايد.. رجاء الدعاء له بالرحمة والمغفرة”.

وفق البيان الصادر عن الأسرة، ستقام صلاة الجنازة عقب صلاة الجمعة اليوم في مسجد الشرطة بالشيخ زايد، على أن يُوارى جثمانه الثرى في مقابر العائلة بمحافظة الفيوم، حيث نشأ وترعرع الفنان الراحل، واحتفظ بجذوره وقيمه حتى آخر أيامه.

تكريم العمر وسيرة حافلة بالعطاء الفني

لم يكن الموت وحده ما جمع الفنان سيد صادق بأضواء الإعلام في الأشهر الأخيرة، بل سبق ذلك تكريمه المؤثر في مهرجان الدراما في دورته الثانية، الذي أقيم بمدينة العلمين الجديدة. وبدت لحظة تكريمه مشحونة بالعاطفة الحقيقية، حيث لم يتمالك دموعه أمام عدسات “اليوم السابع”، معبراً عن حجم الامتنان والفرحة والحنين إلى الأضواء:

“الدموع التي تزرفها عيني هي دموع الفرحة… وكم تمنيت أن أعود إلى التمثيل بعد سنوات الغياب”.

كان ذلك التكريم، الذي حمل بصمة وفاء من نقيب الممثلين وصديقه الفنان أشرف زكي، بمثابة تحية مستحقة من أبناء الوسط الفني على الدور الذي لعبه صادق في تشكيل صورة “المساند الحقيقي” للدراما المصرية، بفضل حضوره الفريد وأدائه الاستثنائي، خاصة في أدوار “الشرير” ورجل الأعمال الخارج عن القانون، الذي أجاد تقديمه لعقود.

Web_Photo_Editor-6-15 وداعاً سيد صادق

بداية متواضعة وموهبة فرضت نفسها

ولد سيد صادق في مطلع أربعينيات القرن الماضي بمحافظة الفيوم. أنهى دراسته بالحصول على دبلوم من إحدى المدارس الثانوية، ليشق طريقه إلى عالم التمثيل في زمن كانت فيه النجومية عصية على من لا يملك وساطة أو نسباً معروفة. لكن صادق راهن على شغفه وموهبته، فبدأ بأدوار ثانوية صغيرة، سرعان ما نالت إعجاب المخرجين والمنتجين بفضل بنيته الجسمانية المميزة وملامحه القوية، التي أهلته لأداء الشخصيات المركبة، وخصوصًا أدوار الشر والعصابات.

عمل الفنان الراحل في العشرات من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، ونجح في بناء سجل حافل تخطّى حدود “الكومبارس” ليصبح أيقونة للأدوار المساعدة التي تُرسخ في ذاكرة المشاهد أكثر من الأبطال أحياناً.

أعمال خالدة طبعت الدراما والسينما

لا يمكن لأي متابع للفن المصري الحديث أن يغفل الأدوار المؤثرة التي قدمها الفنان سيد صادق في السينما والتلفزيون. فقد جمعته الشاشة الذهبية بكبار المخرجين ونجوم الصف الأول، وشارك في أفلام أصبحت جزءًا من تراث السينما المصرية، أبرزها:

  • حسن ومرقص: حيث قدّم واحداً من أبرز أدواره الدرامية إلى جانب نجوم الكوميديا والدراما، ونجح في ترك بصمة قوية أضافت للحبكة الفنية.

  • كدة رضا: الفيلم الذي نال استحسان الجمهور بنكهته الكوميدية الخاصة، وكان لصادق فيه دور لافت بشخصيته القوية الرصينة.

  • الإمبراطور: حيث جسّد شخصية رجل العصابات بحرفية عالية، مضيفًا عمقًا دراميًا للأحداث.

  • فوزية البرجوازية: من العلامات السينمائية التي شهدت تألق صادق في دور مركب، جمع بين الصرامة والإنسانية.

أما على صعيد الدراما التلفزيونية، فقد شارك في العديد من المسلسلات الناجحة مثل:

  • فرقة ناجي عطا الله: التي عرفت جمهور الأجيال الجديدة على حضور صادق وجاذبيته المميزة.

  • يتربى في عزو: العمل الاجتماعي الذي جمع بين الدراما والرؤية التحليلية للمجتمع المصري.

  • النساء قادمون: أحد أبرز أعماله التلفزيونية التي ناقشت قضايا المرأة بنكهة مصرية أصيلة.

بين التهميش والتكريم… درس في العطاء الفني

رغم نجوميته وأدائه اللافت، عاش سيد صادق حالة دائمة من الجدل حول ضرورة إنصاف الفنانين الذين أدوا أدواراً صعبة دون تصدّر المشهد الإعلامي. ظل يعمل بتواضع وإخلاص، وانتظر سنوات طويلة قبل أن يحصد ثمار اعتراف حقيقي من الوسط الفني والجمهور، ليجسد بذلك صورة “البطل المجهول” الذي يضيف قوة الأعمال دون أن يكون اسمه على الرأس في البوسترات.

وفي تصريحات سابقة، عبر صادق عن رغبته في العودة للتمثيل، وكشف عن مشاعره الحزينة عندما اضطر للابتعاد لأسباب صحية وعائلية، داعياً الوسط الفني للجمع بين الوفاء للماضي وإعطاء الفرصة للمخضرمين الذين صنعوا مجد الدراما والسينما.

Web_Photo_Editor-8-8 وداعاً سيد صادق

عزاء الفن المصري… ودروس للأجيال

رحيل سيد صادق اليوم هو جرس إنذار لأجيال الوسط الفني بضرورة تكريم الكبار في حياتهم وليس فقط بعد رحيلهم، وتذكير أن الأدوار الثانوية أحياناً تحمل عبقرية الموهبة الحقيقية أكثر من البطولة المطلقة.

وبوداعه يخسر الوسط الفني المصري وجهاً من وجوه الإبداع الصادق والموهبة المتجددة، لكنه يُخلّد ذكراه كل من عشقوا السينما والدراما وتعلموا من أعماله كيف يكون التمثيل انعكاسًا للحقيقة ومجسّدًا للتناقضات الإنسانية والميول المتضاربة بين الخير والشر في الإنسان المصري.

دعوة لكل محبي الفنان الراحل

في هذه اللحظات، لا يملك الوسط الفني وجمهوره إلا الدعاء للفنان سيد صادق بالرحمة والمغفرة، والعزاء لأسرته وجميع محبيه وللسينما المصرية التي فقدت فرداً من عائلتها الكبيرة.

وداعًا سيد صادق… سيبقى اسمك وإبداعك وجهاً من وجوه الفن الأصيل وروحاً لن تُنسى في ذاكرة مصر الحقيقية، بعدما رسمت البسمة والدهشة والخوف في عيون الجميع، كنتَ الرجل الذي أبدع حتى في الظل.

 

ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.

موقع المنبر

Share this content: