“هآرتس”: نتنياهو غارق في وحل غزة
مقامرة سياسية وأزمات تلاحقه من الداخل والخارج
في هجوم غير مسبوق، وجهت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية سهام نقدها الحاد إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خلفية قراره المثير للجدل بإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، واصفة إياه بأنه “يغرق في وحل غزة ويسير عكس التيار كالمقامر”، وأنه يضحي بأرواح المختطفين من الجنود والمدنيين الإسرائيليين في مسعى يائس للنجاة السياسية.
قرار محفوف بالمخاطر يغذي الانقسامات في إسرائيل
تؤكد “هآرتس” أن نتنياهو يواجه موجة انتقادات داخلية، إذ يشكك مسؤول حكومي رفيع في نياته الحقيقية لاحتلال غزة بالكامل ويصفه بأنه “يبدو مثقلاً بالهموم ويزداد سوءًا في كل اجتماع حكومي”، مضيفًا أن الاحتلال الشامل قد يكون مجرد أداة ضغط ضمن مفاوضات مع حركة حماس، وليس خطة فعلية على الأرض.
كما نقلت الصحيفة أن “كثيرين يرون في تلويح نتنياهو بخيار الاحتلال الكامل تكتيكًا سياسيًا للضغط على حماس وإظهار الحزم أمام الرأي العام، أكثر منه هدفًا عسكريًا حقيقيًا”؛ وبحسب المسؤول نفسه: “نتنياهو فشل في تحقيق أهدافه بالضغط العسكري، ويحاول حاليًا عقد صفقة جزئية تشمل تحرير بعض الأسرى مقابل وقف إطلاق نار مؤقت، مع إبقاء باب التصعيد مفتوحًا”.
إسرائيل بين مطرقة الأسرى وسندان التصعيد
تتجسد الضغوط في الشارع الإسرائيلي نفسه؛ إذ تؤكد الاستطلاعات أن 52% من الإسرائيليين يُحمّلون الحكومة مسؤولية تعثر صفقة التبادل مع حماس وتعثر محادثات إطلاق الأسرى. فعدد الأسرى الإسرائيليين بغزة يقدّر حالياً بنحو 50، بينهم 20 على قيد الحياة، مقابل أكثر من 10,800 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال يعانون ظروفًا إنسانية مأساوية—من تعذيب لإهمال طبي أودى بحياة العديد منهم، بحسب تقارير حقوقية محلية ودولية.
ورغم دعوات عائلات الأسرى لقادة إسرائيل للسعي نحو تسوية شاملة “مقابل وقف الحرب وانسحاب الجيش من غزة”، يتعرض نتنياهو للاتهام من داخل حكومته والمعارضة بالسعي وراء صفقات جزئية تبقي الحرب مستمرة لضمان بقائه السياسي وتجنب انهيار ائتلافه الذي يسيطر عليه التيار اليميني المتشدد.
خيار الاحتلال الكامل… تهديد للاستقرار ومستقبل المنطقة
سبق وأن احتلت إسرائيل غزة لمدة 38 عاماً (1967-2005) ، وحذّرت “هآرتس” من أن أي قرار فعلي لاحتلال القطاع اليوم سيكون كارثة دموية جديدة، ولن يجلب سوى دوامة جديدة من العنف والانهيار الإنساني، خاصة مع سجل حكومة نتنياهو في عمليات التدمير الواسع والتهجير الجماعي منذ 7 أكتوبر 2023، بدعم أمريكي واضح.
تشير الصحيفة إلى أن هذا القرار قد يكون محاولة أخيرة ويائسة لانتزاع تنازلات أكبر من حماس في ملف الأسرى، أو إعادتها لطاولة المفاوضات بعدما انسحبت إسرائيل مؤخرًا من مفاوضات الدوحة بسبب تعنّتها حول الانسحاب وإنهاء الحرب وجوهر صفقة التبادل.
قلق عسكري… وتباينات في الخطط الميدانية
زادت “هآرتس” من حدة التحذير، مستشهدة بالخلافات المحتدمة بين رئيس الوزراء وقيادة أركان الجيش. ففي حين يدفع نتنياهو نحو عملية احتلال واسعة تشمل مدينة غزة والمعسكرات الوسطى، يعارض رئيس الأركان إيال زامير هذا النهج مفضلاً خطة “تطويق محاور غزة” للضغط على حماس دون الانجرار لما وصفه بـ”الأفخاخ الاستراتيجية”.
تسلط الصحيفة الضوء على أن كثيرين داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلي—ومن بينهم زامير نفسه—يدفعون نحو عمليات عسكرية محدودة الجرعة في المناطق التي يُحتمل وجود الأسرى الإسرائيليين فيها، ما يكشف عن قلق كبير من “تحول القطاع إلى وحل عسكري وسياسي جديد لإسرائيل” يعيدها لأزمات عقود سابقة لم تخرج منها إلا بقرارات صعبة.
أزمة شرعية شعبية ومحاكمات تلاحق نتنياهو
وسط كل ذلك، تتزايد الاتهامات الشعبية والسياسية لحكومة نتنياهو، إذ يواجه نفسه قضايا فساد تهدده بالسجن إذا انتهت مسيرته السياسية، في حين تطلب المحكمة الجنائية الدولية اعتقاله بتُهَم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وذلك تزامناً مع توسع التحقيقات بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في القطاع.
كما يشهد الداخل الإسرائيلي ارتفاعاً في الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب وضد خطط توسيع العمليات البرية. وترفض قطاعات واسعة من المجتمع عمليات المماطلة في إبرام صفقة الأسرى، معتبرةً أن “بقاء الجبهة مشتعلة هو وسيلة نتنياهو الوحيدة للبقاء في الحكم وتفادي الإطاحة به من قِبل جناحه الأكثر تطرفًا”.
غزة بين الموت والجوع والتهجير… وصمت دولي
تختم “هآرتس” تقريرها بالتذكير بأن استمرار العدوان ترك أكثر من 211 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح—الأغلبية العظمى منهم من النساء والأطفال—وتسبب في أكثر من 9 آلاف مفقود، مع مجاعة وأوضاع إنسانية غير مسبوقة وسط صمت دولي رسمي، رغم أوامر محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف الإبادة الجماعية وتجريم التهجير القسري وسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها في غزة.
في الانتظار… مقامرة مصيرها الخسارة
تبدو إسرائيل اليوم على مفترق طرق خطيرة: فإما الانزلاق إلى مستنقع عسكري وسياسي جديد يحمل في طياته مخاطر مضاعفة ليس فقط لأمنها، بل لمستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة برمّتها؛ وإما أن تنصاع لصوت العقل والشارع الدولي وتبحث عن تسوية تدعم استقراراً دائماً بدلاً من العنف المستمر. وبين هذا وذاك يقامر نتنياهو بمستقبله ودماء أبناء غزة وإسرائيل… في مقامرة قد تحسم خاتمة مرحلة كاملة من تاريخ الصراع المزمن، لكنها لن تبدد “وحل غزة” الذي يزداد غرقًا كل يوم.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content: