كواليس المشاورات السورية الإسرائيلية في باريس

كواليس المشاورات السورية الإسرائيلية في باريس

كواليس المشاورات السورية الإسرائيلية في باريس

تفاصيل أولى محاولات احتواء التوتر في الجنوب

في تطور دبلوماسي لافت على الساحة السورية، كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة عن جانب من كواليس اللقاء المشترك الذي جمع وفدين من سوريا وإسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس، والذي تم بوساطة أميركية مباشرة، وسط تصاعد المخاوف من انفجار الأوضاع في الجنوب السوري، وخاصة في السويداء.

لقاء في باريس تحت رعاية أمريكية: محاولات أولية لكسر الجمود

بحسب ما نقلته القناة الإخبارية السورية الرسمية عن مصدر دبلوماسي مطلع، اجتمع وفد سوري ضم مسؤولين من وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات العامة مع نظرائهم من الجانب الإسرائيلي في باريس، في لقاء جاء بترتيب ورعاية مباشرة من الإدارة الأميركية. وتركز الحوار حول تطورات المشهد الأمني المتفجر في الجنوب السوري، خاصة بعد موجات التصعيد الأخيرة منذ ديسمبر الماضي، ومحاولة ايجاد مقاربة مشتركة لاحتواء الأزمة ووقف التصعيد المتسارع.

وأكد نفس المصدر أن اللقاء لم ينتج عنه أي اتفاقات أو تفاهمات نهائية، بل اقتصر على كونه جولة أولى من المشاورات الاستطلاعية، تهدف في المقام الأول إلى تقييم مواقف الطرفين وتمهيد الأرضية لإعادة فتح قنوات التواصل بعد سنوات من القطيعة.

Web_Photo_Editor-3-44 كواليس المشاورات السورية الإسرائيلية في باريس

ملفات الحوار: السويداء، السيادة، ووحدة الدولة

أفاد الدبلوماسي السوري أن وفد دمشق أبدى خلال المحادثات تمسكه الصارم بوحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية، باعتبارها “ثوابت لا تقبل النقاش أو المساس”. وتم توجيه رسالة واضحة إلى الوفد الإسرائيلي بأن “السويداء وأهلها جزء أصيل من النسيج الوطني السوري، ولا يمكن بأي حال القبول بمشاريع عزل أو تفتيت تحت أي ادعاء كان”.

كما حرص الوفد السوري على رفض أي محاولة لتعزيز انقسامات أو خلق كيانات موازية مستقلة في الجنوب السوري، مؤكداً أن مثل هذه السيناريوهات تصب في مصلحة إثارة الفتن وتأجيج النزاعات الطائفية، وتهدد تماسك الدولة السورية وعودة الأمن لمواطنيها.

إعادة الإعمار ومواجهة الأطماع الخارجية

وتداول الحوار بين الجانبين ملف إعادة إعمار سوريا بعد سنوات الحرب، حيث شدد الوفد السوري على أن “الشعب السوري بمؤسساته يتطلع اليوم إلى مرحلة سلام واستقرار حقيقي، ويرفض الانجرار لمشاريع مشبوهة تستهدف وحدة البلاد أو تحاول استغلال معاناة المواطنين لكسب نفوذ مؤقت”.

ورفض السوريون بشكل قاطع، بحسب المصدر، أي وجود أجنبي غير شرعي على الأراضي السورية، معتبرين أن أي محاولة لاستقطاب فئات من المجتمع السوري، سواء من السويداء أو غيرها، في مشاريع خارجية للتقسيم أو الاحتلال، ستكون مرفوضة ومدانة على كل المستويات.

لا اتفاقات… ولكن باب النقاش مفتوح

ورغم أن هذه المشاورات لم تفض إلى اتفاقات محددة، أبدى الطرفان، بحسب تسريبات المصدر، استعداداً مبدئياً لاستمرار اللقاءات مستقبلاً، بهدف “تقييم أي خطوات عملية ممكنة لتثبيت الاستقرار وخفض التوتر في الجنوب السوري”.

ويتضح من جوانب اللقاء أن النقاشات المقبلة ستدور حول جملة من القضايا الشائكة، تشمل ضمان انسحاب القوى الأجنبية غير الشرعية، حماية الحقوق المجتمعية لكافة المكونات السورية، وتنسيق الجهود لمنع انزلاق البلاد إلى نزاعات أوسع قد تفتح الباب أمام المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية.

السياق الإقليمي والدولي: لماذا باريس الآن؟

تسعى فرنسا إلى الحفاظ على تقليد الوساطة الدبلوماسية في ملفات النزاع الإقليمي، خاصة في ظل تسارع التغييرات على الأرض السورية. أما الولايات المتحدة، فتتحرك بجدية لاستباق وقوع تصعيد ميداني جديد على حدود إسرائيل وسوريا، قد يتحول إلى أزمة أمنية إقليمية معقدة.

ويأتي هذا التقارب الحذر فيما يشهد الجنوب السوري منذ أشهر تصعيداً عسكرياً غير مسبوق، مع اشتباكات بين فصائل محلية وقوات النظام من جهة، وتدخلات إسرائيلية مستمرة من جهة أخرى، أذكت المخاوف من مشاريع تغيير ديمغرافي أو محاولات إنشاء “كيانات عازلة” تستولي على زمام الأمور في السويداء وغيرها.

Web_Photo_Editor-8-20 كواليس المشاورات السورية الإسرائيلية في باريس

ردود أفعال أولية ورسائل سياسية

على مستوى الشارع السوري، قوبلت الأنباء حول الاجتماعات في باريس بتفاؤل حذر؛ فالبعض يرى في الحديث المباشر نافذة أمل لتجنيب المنطقة مزيدًا من الدماء والانقسامات، فيما يخشى آخرون أن تتحول هذه اللقاءات إلى واجهة لتفاهمات تقاسم النفوذ على حساب وحدة الأراضي السورية.

أما رسميًا، فقد كرر الدبلوماسي السوري أن أي تسوية لن تكون ممكنة ما لم تقم على ثوابت السيادة السورية، ورفض جميع مشاريع التقسيم، بما في ذلك خلق مناطق حكم ذاتي طائفية أو عرقية تحت أي غطاء خارجي.

ما المتوقع في المرحلة المقبلة؟

يبقى مستقبل هذه المشاورات مرهونًا بمدى التزام الأطراف بتهدئة الأوضاع ميدانيًا، بينما تتطلع الدبلوماسية الدولية إلى إحداث اختراق يمنع انفجار الجنوب السوري ويمهد فعلاً لمسار سياسي حقيقي يعيد للدولة السورية سيادتها الكاملة على كل أراضيها.

في خضم ضبابية المشهد، يظل الحوار وإن كان أولياً أداة قد تحد من الانزلاق نحو السقوط الكبير في الجنوب السوري، وتفتح بابًا حذرًا أمام تسوية شاملة تلبي تطلعات السوريين للأمن والسيادة.

 

ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.

موقع المنبر

Share this content: