قلق في إدارة ترامب من احتمال تراجع نتنياهو عن اتفاق غزة
واشنطن ترسل فانس وكوشنر وويتكوف إلى تل أبيب لإحكام الرقابة الدبلوماسية وضمان الالتزام باتفاق الهدنة مع حماس
تعيش إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة من القلق المتزايد إزاء احتمال تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الموقع أخيراً بوساطة أمريكية – مصرية – قطرية، ضمن المرحلة الأولى من خطة ترامب الشاملة لإنهاء الحرب. وكشفت مصادر أمريكية لصحيفة نيويورك تايمز أن البيت الأبيض بدأ سلسلة تحركات عاجلة هدفها ضمان تنفيذ الاتفاق وعدم السماح لتل أبيب بتقويضه سياسياً أو ميدانياً.
ضغوط دبلوماسية من واشنطن لضمان الالتزام
بحسب ما نقلته الصحيفة، تخشى إدارة ترامب أن يعود نتنياهو إلى نهج الهجمات العسكرية في غزة، خصوصاً في ظل ضغوط من شركائه داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، الذين يطالبون بفرض شروط جديدة على حماس قبل إتمام المرحلة الثانية من الاتفاق. وأوضحت المصادر أن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على تشكيل “خلية مراقبة دبلوماسية” من كبار المسؤولين، تضم نائب الرئيس جي دي فانس، وصهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذين أوكلت إليهم مهمة إدارة التواصل المباشر مع نتنياهو وكبار قادته العسكريين.

وتشير المصادر إلى أن هذه التحركات تأتي بمثابة “تدخّل استباقي” من واشنطن لتهدئة التوتر وإبعاد أي سيناريو عسكري قد ينسف اتفاق غزة قبل اكتمال مراحله الثلاث، التي تتضمن إعادة إعمار القطاع ونزع سلاح حماس تدريجياً تحت إشراف قوة دولية.
زيارة فانس إلى إسرائيل: رقابة ميدانية لا رمزية
وصل جبّي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، إلى إسرائيل منتصف الأسبوع، في زيارة وُصفت بأنها “الأكثر أهمية منذ توقيع الاتفاق”، حيث اجتمع برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار الوزراء الإسرائيليين، من بينهم وزير الدفاع إسرائيل كاتس ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. ووفق تصريحات نقلتها وكالة أسوشيتد برس، قال فانس إن زيارته تهدف إلى “الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وليس إلى مراقبة طفل صغير”، في رد مباشر على اتهامات إسرائيلية بأن واشنطن تمارس وصاية ميدانية على حكومة نتنياهو.
وفي مؤتمر صحفي في القدس، شدد فانس على أن الولايات المتحدة ترى في الاتفاق خطوة حقيقية نحو إعادة بناء غزة وتعزيز السلام الإقليمي، مضيفاً:
“جئنا إلى هنا لنتأكد من أن هذا الاتفاق لن يكون مجرد هدنة مؤقتة. نحن نريد انتقالاً منظماً ومستداماً نحو واقع أكثر أمناً للفلسطينيين ولإسرائيل على حد سواء.”
نتنياهو تحت مجهر واشنطن
أكدت وسائل الإعلام العبرية أن زيارات المسؤولين الأمريكيين المتلاحقة إلى تل أبيب، من فانس ثم وزير الخارجية ماركو روبيو، وحتى المبعوث كوشنر، تهدف إلى ممارسة رقابة مباشرة على تصرفات نتنياهو، خصوصاً بعد مؤشرات من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تفيد بأن الحكومة قد تعيد تقييم الالتزامات الأمنية والإنسانية تجاه غزة.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مراقبين قولهم إن الإدارة الأمريكية أقامت مركز تنسيق سياسي – عسكري في منطقة كريات غات جنوب إسرائيل، يضم نحو 200 جندي ومستشار دولي من الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق. واعتبر محللون إسرائيليون أن هذا الوجود الأمريكي المكثف يمثل “جسراً جوياً سياسياً” يهدف إلى تقوية الهدنة ومنع انهيارها تحت ضغوط السياسة الإسرائيلية الداخلية.
خطة ترامب للسلام: ما بعد الهدنة
تسعى إدارة ترامب لتحويل اتفاق غزة إلى مرحلة تمهّد لتسوية سياسية شاملة تشمل إنشاء حكومة تكنوقراط فلسطينية تشرف على إدارة القطاع، وتولي قوة أمنية متعددة الجنسيات مسؤولية ضبط الحدود ونزع السلاح التدريجي من الفصائل المسلحة. وتشمل الخطة أيضاً البدء بمشاريع إعادة إعمار كبرى تموَّل جزئياً من الصناديق العربية والدولية في قطر وتركيا والاتحاد الأوروبي، على أن تتكفل واشنطن بالإشراف الفني والسياسي على مرحلة التنفيذ.
وأكد فانس في تصريحاته الصحفية أن “اتفاق غزة يشكل حجراً أساسياً في إعادة إحياء اتفاقيات أبراهام وتوسيعها لتشمل دولاً جديدة في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية ترى في هذه المرحلة فرصة لصياغة تحالفات اقتصادية وأمنية متكاملة تضمن استقرار المنطقة على المدى الطويل.

موقف نتنياهو: دعم مشروط وتحديات ائتلافية
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد اجتماعه مع فانس أن “الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل راسخة وقوية”، لكنه دعا إلى ضرورة مواصلة الضغط على حماس و”عدم التساهل معها سياسياً”، مؤكداً أن إسرائيل ستواصل حماية أمنها القومي بكل الوسائل الممكنة.
وأقر نتنياهو بوجود “نقاشات داخلية” بشأن تنفيذ مراحل الاتفاق، خصوصاً بعد إعلان بعض مسؤولي حكومته اعتراضهم على نشر قوات أجنبية في غزة، ورفضهم منح أي نفوذ تركي أو أممي على إدارة القطاع، وهو ما دفع واشنطن إلى تكثيف اتصالاتها لطمأنة الجانب الإسرائيلي بأن أي دور للأطراف الإقليمية “سيكون بناءً وتحت إشراف أمريكي شامل”.
غضب داخل إسرائيل ومخاوف أمريكية مستمرة
رغم الاتفاق الرسمي بين الجانبين، أفادت تقارير إسرائيلية بثها القناة 12 العبرية أن بعض الأصوات داخل الجيش الإسرائيلي تعتبر الاتفاق الأخير “مقيداً ومفروضاً تحت ضغط واشنطن”، ما يعزز احتمالات تراجع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن بعض الالتزامات ضمن خطة نزع السلاح.
وفي المقابل، تشدد إدارة ترامب على أن “أي خرق من الجانب الإسرائيلي سيُعتبر انتهاكاً مباشراً للاتفاق”، فيما تعمل عبر قنواتها الدبلوماسية لضمان استمرار الهدوء الهش في غزة ومنع العودة إلى دوامة المواجهات العسكرية.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content:


