قصف إسرائيلي جديد يضرب شرقي غزة وخان يونس ورفح
غارات جوية وقصف مدفعي رغم اتفاق وقف إطلاق النار ووسط استمرار السيطرة الميدانية الإسرائيلية على أكثر من نصف القطاع
تواصل آلة الحرب الإسرائيلية استهداف قطاع غزة جواً وبحراً وبراً، في خروق متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع حركة حماس، إذ شهدت الساعات الأولى من فجر الجمعة قصفاً جوياً ومدفعياً مكثفاً استهدف مناطق شرقي غزة، وخان يونس، ورفح جنوبي القطاع، في وقت لا يزال فيه الجيش الإسرائيلي يفرض سيطرته على مساحات واسعة من الجيوب الحدودية والأطراف الشرقية والشمالية للقطاع.
بحسب شهادات ميدانية
شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة على المناطق الشرقية من مدينة رفح، وهي مناطق ما زالت تحت الاحتلال البري الإسرائيلي رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ قبل نحو شهرين تقريباً. هذا القصف الجوي جاء امتداداً لحالة التوتر الميداني المستمرة، في ظل تحركات عسكرية إسرائيلية متواصلة على الشريط الحدودي الجنوبي والشرقي، وتوسع في انتشار القوات داخل عمق الأراضي الفلسطينية.

في السياق نفسه
أفاد شهود بأن المدفعية الإسرائيلية استهدفت بشكل متقطع وعلى مدار ساعات منذ فجر الجمعة حيّ التفاح شرقي مدينة غزة، إلى جانب المناطق الشرقية من مدينة خان يونس جنوبي القطاع. وأكدوا أن دوي القذائف تواصل لفترات متباعدة، ما تسبب في حالة من الذعر بين السكان، خصوصاً العائلات التي عادت مؤخراً إلى بعض الأحياء على أمل التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار. ويتزامن ذلك مع تحليق مكثف للطائرات الحربية والمسيّرات في سماء المنطقة، ما يعكس استمرار النهج العسكري التصعيدي رغم المسار السياسي والوساطات الإقليمية والدولية.
ولم يقتصر المشهد على الغارات الجوية والقصف المدفعي، إذ ذكرت شهادات ميدانية أن الزوارق الحربية الإسرائيلية أطلقت عدة قذائف باتجاه البحر قبالة شاطئ مدينة خان يونس، في رسالة ضغط إضافية على الصيادين والسكان القاطنين قرب الساحل. كما أطلقت الطائرات المروحية الإسرائيلية نيران أسلحتها بشكل مكثف باتجاه المناطق الشرقية لخان يونس، في عمليات استعراض قوة تعزز من مناخ الخوف وتهدد أي محاولات لعودة الحياة الطبيعية إلى هذه المناطق. وحتى لحظة إعداد الخبر، لم يتضح بشكل رسمي ما إذا كان هذا القصف قد أسفر عن وقوع إصابات أو ضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
ميدانياً
يواصل الجيش الإسرائيلي الإمساك بزمام السيطرة على الشريطين الجنوبي والشرقي من قطاع غزة، إضافة إلى أجزاء واسعة من شمال القطاع، بما يشمل أكثر من 50% من مساحة غزة تقريباً. هذا الواقع الميداني يكرّس عملياً واقع تقسيم غير معلن للقطاع، ويقيّد حركة المواطنين بين المدن والمناطق، كما يجعل عودة النازحين إلى أحيائهم رهينة للترتيبات الأمنية الإسرائيلية. ويُنظر إلى هذا الانتشار العسكري على أنه امتداد للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، التي اشترطت ترتيبات ميدانية معقدة ما زالت محل جدل وانتقاد واسع.
اتفاق وقف إطلاق النار
الذي تم التوصل إليه بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية وقطرية وتركية وبرعاية أمريكية، ودخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان من المفترض أن يضع حداً لعمليات القصف الشامل و”الإبادة الجماعية” التي تعرّض لها قطاع غزة منذ 8 أكتوبر 2023. تلك العمليات العسكرية خلّفت، وفق التقديرات الفلسطينية، أكثر من 70 ألف قتيل، إضافة إلى أكثر من 171 ألف جريح، في حصيلة مأساوية غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وكان يُفترض أن يمهّد الاتفاق لمرحلة من التهدئة وإعادة الإعمار وعودة النازحين، إلا أن الوقائع اليومية على الأرض تشير إلى استمرار الانتهاكات.
فعلى الرغم من الطابع الرسمي لاتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن إسرائيل تواصل خرقه بشكل يومي تقريباً، عبر غارات جوية متفرقة وقصف مدفعي واستهداف لمناطق سكنية وزراعية في مختلف أنحاء القطاع، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى بشكل دوري. وتؤكد مصادر ميدانية أن هذه الخروق لم تعد حوادث “معزولة”، بل باتت نهجاً مستمراً يهدد بانهيار الاتفاق أو تحوّله إلى مجرد هدنة هشة لا توفر حماية حقيقية للمدنيين. وفي ظل غياب آلية دولية رادعة أو مراقبين فعليين على الأرض، يجد الفلسطينيون أنفسهم بين اتفاق معلن وواقع عسكري ملتهب لا يختلف كثيراً عن مرحلة ما قبل وقف إطلاق النار.

سياسياً
يُنظر إلى استمرار القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على رفح وخان يونس وشرقي غزة باعتباره ضغطاً عسكرياً موازياً لمسارات التفاوض غير المباشرة، ومحاولة لفرض شروط ميدانية على طاولة أي نقاش حول “اليوم التالي” في غزة. فالسيطرة على الشريطين الجنوبي والشرقي، وشبه السيطرة على أجزاء واسعة من الشمال، تُقرأ كجزء من استراتيجية إسرائيلية لإعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية والعسكرية للقطاع، مع إبقاء السكان في حالة نزوح دائم بين مناطق محدودة ومخيمات مكتظة.
على الجانب الإنساني
فاقم استمرار عمليات القصف من حجم المعاناة في قطاع غزة، الذي يعيش أصلاً على وقع انهيار شبه كامل في البنية التحتية الصحية والخدمية. فالمستشفيات تعمل فوق طاقتها، وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات تتعرض لانقطاعات متكررة، بينما تواجه الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في إدخال المساعدات وتوزيعها في ظل القيود الإسرائيلية وحالة عدم الاستقرار الأمني.
في ظل هذه التطورات
تتصاعد الدعوات الفلسطينية والعربية والدولية إلى تفعيل الضغط السياسي والقانوني على إسرائيل لوقف خروق اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان حماية المدنيين في غزة، وإلزام الأطراف ببنود الاتفاق الذي كان من المفترض أن يفتح نافذة أمل لإنهاء واحد من أكثر الفصول دموية في تاريخ القطاع. غير أن استمرار القصف في شرقي غزة وخان يونس ورفح يعكس حتى الآن فجوة واسعة بين النصوص المكتوبة على الورق والواقع القاسي الذي يعيشه الفلسطينيون يومياً تحت النار.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content:


