قصة جثة خليل دواس: جدل واسع بين حماس وإسرائيل حول هوية القتيل الرابع في صفقة التبادل
إسرائيل تزعم أنه عميل فلسطيني.. وحماس تؤكد أنه جندي إسرائيلي قُتل في جباليا
أثارت قضية جثة خليل دواس موجة جدل حاد بين حركة حماس وإسرائيل بعد إعلان الأخيرة أن إحدى الجثث التي تسلمتها ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة في غزة لا تعود لأي من جنودها، مؤكدةً لاحقاً أنها لشخص فلسطيني قُتل أثناء تعاونه مع الجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، نفت المقاومة الفلسطينية هذه الرواية بشدة مؤكدة أن الجثة تعود لجندي إسرائيلي قُتل خلال اشتباك مسلح في مخيم جباليا العام الماضي.
البداية.. صفقة التبادل تكشف اللغز
بدأ الجدل عقب إعلان الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، أن الجثة الرابعة التي تسلمها من حركة حماس “لا تتطابق مع أي من الرهائن الإسرائيليين الذين فُقدوا في غزة”. وقال بيان صادر عن معهد الطب العدلي الإسرائيلي إن نتائج الفحص الجيني أظهرت أن الهوية “لا تعود لأي من المختطفين الإسرائيليين”، مطالباً المقاومة الفلسطينية بإعادة ما وصفها بـ “جميع المختطفين القتلى”.
لكن حركة حماس سارعت إلى نفي المزاعم الإسرائيلية، مؤكدة في بيان مقتضب أن الجثة التي أُعيدت لإسرائيل “هي لجندي إسرائيلي تم أسره خلال عملية نوعية لكتائب القسام في مايو/ أيار 2024 داخل مخيم جباليا شمال القطاع”. وأوضح مصدر قيادي في المقاومة أن الجندي قُتل أثناء اشتباك مباشر مع قوةٍ توغلت في المنطقة، وتم سحب جثمانه إلى أحد الأنفاق الأمنية التابعة للحركة.
من هو خليل دواس؟
وفقاً لتقارير إسرائيلية متطابقة، فإن خليل دواس هو فلسطيني من سكان مخيم عقبة جبر للاجئين في أريحا بالضفة الغربية. وتزعم وسائل إعلام عبرية مثل يديعوت أحرونوت والقناة 12 أن دواس كان متعاوناً مع الجيش الإسرائيلي، يعمل ضمن فريق محلي يساعد قوات الاحتلال في عمليات تمشيط الأنفاق ضمن الحرب على غزة، قبل مقتله داخل أحد الأنفاق في جباليا أثناء مهمة ميدانية.

وأشارت التقارير إلى أن المقاومة احتجزت جثته عقب المعركة، لتدرجها لاحقاً في قائمة الجثث الإسرائيلية المسلمة ضمن صفقة التبادل، باعتقادها أنه جندي في الجيش الإسرائيلي أو على الأقل شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية بحكم تعاونه العسكري المكثف.
ارتباك الرواية الإسرائيلية وتفاعل واسع
أحدث إعلان إسرائيل عن هوية الجثمان جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ سخر ناشطون فلسطينيون وعرب من التناقض في تصريحات جيش الاحتلال، واعتبروها دليلاً إضافياً على فشل المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية في إدارة ملفاتها الميدانية، خصوصاً بعد حرب غزة الأخيرة.
كتب أحد المغردين: “إسرائيل التي تتتبع الإشارات داخل الأنفاق لم تعرف هوية من يعمل لحسابها”، بينما وصف آخر القصة بأنها “فضيحة أخلاقية وأمنية، تظهر كيف يتعامل الاحتلال مع عملائه بعد موتهم حين ينتهي دورهم، يُرمَون كالرماد”.
وتداول الناشطون إشارات حول أن خليل دواس كان أسيراً محرراً واعتُقل سابقاً اعتقالاً إدارياً، ثم جُنّد سراً من قبل المخابرات الإسرائيلية للتجسس على خلايا المقاومة، وأن اعتقاله السابق كان مجرد تمويه لإبعاده عن الشبهات داخل المخيم، قبل أن يظهر مجدداً ضمن الوحدات الإسرائيلية المتوغلة في جباليا.
روايتان متناقضتان.. والميدان شاهد
بينما تنفي إسرائيل أن يكون الجثمان لجندي من قواتها، تُصر المقاومة على أن الجثة تم أسرها خلال عملية عسكرية حقيقية وثّقتها فصائل المقاومة بالصوت والصورة. وتشير المصادر العسكرية الفلسطينية إلى أن العملية تمت بعد اشتباك مسلح استخدمت فيه المقاومة أسلحة مضادة للدروع، وألحقت خسائر بقوات الاحتلال، ما مكّنها من سحب الجثة تحت النيران وإخفائها في الأنفاق.
وبحسب مصادر إسرائيلية أخرى، تم تفسير تأكيد المقاومة على “هوية الجندي” بأنه محاولة للتغطية على تسليم جثة عميل فلسطيني قُتل خلال عمله الميداني مع القوات الخاصة، وأن خلاف الهوية ما هو إلا “إحراج إعلامي” لحماس في صفقة تبادل وصفتها تل أبيب بأنها الأكثر تعقيداً منذ سنوات.
خليل دواس.. بين خيانة الاحتلال ودرس النهاية
من بين التعليقات البارزة، رأى ناشطون فلسطينيون أن قصة خليل دواس يجب أن تكون “عبرة لكل من يخون وطنه”، إذ تبيّن بحسبهم أن الاحتلال “استغله حتى اللحظة الأخيرة، ثم تخلّى عنه عندما لم يَعُد ذا قيمة”. وقال أحد المعلقين: “الاحتلال لا يكرم حتى جثث من ساعدوه، بينما المقاومة حفظت شأنه، وأعادت جثمانه ضمن صفقة إنسانية، ظنّاً منها أنه جندي إسرائيلي”.

فيما كتب ناشط آخر: “خليل دواس مات كما عاش: بلا كرامة لمن يخدم الاحتلال. استخدموه ثم أنكروه، ودفنوه إعلامياً حين انكشفت الحقيقة”. ويرى آخرون أن الحدث يكرّس حقيقة قديمة مفادها أن إسرائيل ترى في عملائها أدوات مؤقتة تنتهي صلاحيتها بموتهم أو كشف أمرهم، في حين تتعامل المقاومة حتى مع خصومها بميزان أخلاقي واضح.
البعد الإنساني والسياسي
تُظهر القضية المفارقة الصارخة بين تعامل الاحتلال والمقاومة في قضايا الأسرى والجثث، إذ تسعى إسرائيل دوماً لاسترداد “جثث جنودها” عبر صفقات تبادل حتى بعد عقود، بينما لا تعترف بجثث الفلسطينيين المتعاونين معها. في المقابل، قدّمت حماس الجثمان ضمن الصفقة التزاماً بالمعايير الإنسانية المتبادلة، دون تمييز في الهوية، في حين قوبلت الخطوة بالتنكر الإسرائيلي الصريح.
يقول مراقبون إن الجدل حول جثة خليل دواس يعكس عمق النزاع النفسي والسياسي بين الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية الأولى التي تسعى لتثبيت شرعية المقاومة وإظهار بعدها الإنساني، والثانية التي تُبرر تخبطها الأمني بتبريرات تتعلق بـ”سوء الفهم أو الخطأ الفني”.
ختاماً، تظل قصة خليل دواس أكثر من مجرد لبس في هوية جثمان، بل درس علني حول طبيعة العلاقة بين الاحتلال وعملائه، وكيف تتحول الخيانة إلى عنوان للنسيان. ففي حين تعاملت المقاومة مع الجثة كإنسان وأدرجتها ضمن صفقة تبادل الأسرى، تبرأت إسرائيل من أحد أدواتها بعد موته، مؤكدة مجدداً أنها لا تعترف إلا بالولاء المؤقت للمصالح، لا بالروابط ولا بالكرامة.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content:


