دول الخليج تتجه لإنشاء «قبة حديدية» لحماية أراضيها من الهجمات الصاروخية
دفاع مشترك يتصدر أجندة قمة المنامة الخليجية
تسير دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو مرحلة جديدة من التكامل الدفاعي، مع بحث إنشاء منظومة «قبة حديدية» خليجية موحدة، في إطار نظام دفاعي مشترك ضد الهجمات الصاروخية والتهديدات الجوية التي تتزايد حدتها في المنطقة. هذه الخطوة تأتي في سياق رؤية خليجية تعتبر الدفاع المشترك أولوية استراتيجية لا تقل أهمية عن ملفات الاقتصاد والطاقة والاستقرار الإقليمي، خاصة في ضوء الاعتداءات الأخيرة التي طالت أراضي دولة قطر من جانب إيران وإسرائيل، وما حملته من رسائل أمنية بالغة الخطورة لدول المجلس كافة.
مشروع قبة صاروخية خليجية: فكرة تتحول إلى مسار عملي
كشف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم محمد البديوي، أن دول المجلس الست ناقشت خلال اجتماعاتها الأخيرة اعتماد منظومة دفاعية خليجية موحدة ضد الهجمات الصاروخية، يتصدرها مشروع إنشاء نظام «قبة حديدية» أو «قبة صاروخية» مشتركة تغطي أجواء الدول الأعضاء. وأوضح أن هذه المنظومة تهدف إلى توفير درع وقائي متكامل في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيّرة والهجمات بعيدة المدى، بما يضمن حماية المدن والمنشآت الحيوية والبنية التحتية الاستراتيجية في الخليج.
تفاصيل طرح المشروع في جلسة حوارية بالمنامة
خلال جلسة حوارية مع الإعلاميين في العاصمة البحرينية المنامة، عُقدت قبيل القمة الخليجية السادسة والأربعين، قدم البديوي مزيداً من التفاصيل حول هذا التوجه الدفاعي الجديد. وأشار إلى أن مشروع القبة الصاروخية الخليجية قيد الدراسة المتقدمة، وأن العمل يجري على وضع تصور شامل لمنظومة دفاعية مشتركة تتكامل فيها القدرات الوطنية لكل دولة مع بنية إقليمية موحدة للإنذار المبكر واعتراض التهديدات. وشدد على أن القبة الدفاعية ليست مجرد فكرة إعلامية، بل مشروع استراتيجي يجري العمل عليه بخطوات منهجية.

مفاوضات مع الدول المنتجة لأنظمة «القبة الصاروخية»
أوضح الأمين العام أن دول مجلس التعاون دخلت بالفعل في مفاوضات مع الدول المنتجة لأنظمة «القبة الصاروخية» المتطورة، من أجل اختيار أو تطوير المنظومة الأنسب للبيئة الجغرافية والأمنية في الخليج. ولفت إلى أن هذه المفاوضات تراعي عدداً من العوامل مثل مدى الصواريخ، أنواع التهديدات المحتملة، قابلية دمج الأنظمة المختلفة، والبعد الاقتصادي والتمويلي للمشروع. وأعرب عن أمله في التوصل إلى حل قريب يضع الأساس لتفعيل القبة الخليجية على الأرض، مع التأكيد على أن طبيعة المشروع المعقدة تستدعي معالجة فنية دقيقة وتنسيقاً عالياً بين العواصم الخليجية.
الدفاع المشترك على رأس أولويات قمة المنامة
لفت البديوي إلى أن قمة المنامة الخليجية السادسة والأربعين ستتناول ملف الدفاع المشترك بوصفه أحد أبرز القضايا المطروحة أمام قادة دول المجلس في اجتماعهم. وأكد أن جدول الأعمال يتضمن مناقشة شاملة لمستقبل الأمن الخليجي، وآليات تطوير منظومة الدفاع الجماعي، وفي مقدمتها مشروع القبة الحديدية الخليجية. كما أشار إلى أن القمة تنعقد في لحظة إقليمية حساسة، ما يمنح قضايا الأمن والدفاع وزناً مضاعفاً في النقاشات بين القادة، إلى جانب ملفات التكامل الاقتصادي والسياسي.
اعتداءات على قطر تدفع لتسريع خطوات الحماية المشتركة
أحد أهم العوامل التي عجّلت بطرح مشروع القبة الدفاعية الخليجية هو «الاعتداءان اللذان تعرضت لهما دولة قطر من إيران وإسرائيل»، كما أوضح الأمين العام. فقد اعتبرت دول المجلس أن ما جرى يشكل تهديداً مباشراً للأمن الخليجي ككل، وليس فقط لأمن قطر، وأن التعامل معه يجب أن يكون بمنطق الدفاع الجماعي وليس بردود فعل منفردة. هذه التطورات وضعت الهجمات الصاروخية والتهديدات الجوية في صدارة المخاطر التي ينبغي مواجهتها بأدوات ردع مشتركة.
اجتماع تضامني في الدوحة وتوجيه لعقد اجتماع استثنائي لوزراء الدفاع
على خلفية تلك الاعتداءات، أوضح البديوي أن قادة دول المجلس عقدوا اجتماعاً تضامنياً في الدوحة، عبّروا خلاله عن رفضهم القاطع لأي استهداف لأراضي دولة خليجية. وخلال هذا الاجتماع، أصدر القادة توجيهاً واضحاً لوزراء الدفاع الخليجيين بعقد اجتماع استثنائي مخصص لبحث آليات حماية دول الخليج من اعتداءات مماثلة في المستقبل. هذا التوجيه كان بمثابة نقطة انطلاق عملية نحو إعادة تقييم منظومة الدفاع المشترك، ودراسة الخيارات المتاحة لتطويرها، بما في ذلك مشروع القبة الصاروخية الخليجية.
حزمة إجراءات دفاعية لتعزيز العمل العسكري الخليجي المشترك
كشف الأمين العام أن وزراء الدفاع في دول مجلس التعاون، وخلال اجتماعهم في الدوحة، اتفقوا على حزمة من الإجراءات الدفاعية تهدف إلى تعزيز العمل العسكري الخليجي المشترك، ورفع مستوى الجاهزية في مواجهة التهديدات. ورغم عدم الكشف عن تفاصيل هذه الإجراءات بالكامل، فإن الواضح أنها تشمل تطوير التنسيق العملياتي بين القوات المسلحة، وتحديث خطط الدفاع الجوي والصاروخي، وتوسيع نطاق المناورات المشتركة، فضلاً عن تسريع الدراسات الفنية المتعلقة بمنظومة القبة الخليجية. هذه الحزمة تمثل ترجمة عملية لتوجه سياسي واضح نحو تعميق الدفاع المشترك.

بدء تنفيذ نتائج اجتماع مجلس الدفاع المشترك
في السياق نفسه، أوضح البديوي أن دول الخليج بدأت بالفعل تطبيق نتائج اجتماع مجلس الدفاع المشترك الذي انعقد في قطر لبحث تداعيات الهجوم الإسرائيلي على الدوحة. وأشار إلى أن بيان الدورة الاستثنائية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون وصف ذلك الهجوم بأنه «عمل عدواني»، مؤكداً التزام الدول الأعضاء باتخاذ ما يلزم لمنع تكرار مثل هذه الهجمات وحماية سيادتها. ويمثل مشروع القبة الصاروخية الخليجية أحد أبرز المسارات التي يجري العمل عليها في إطار هذه النتائج، إلى جانب مسارات أخرى لتعزيز الردع المشترك.
توازن بين الردع والعلاقات الطبيعية مع إيران
على الرغم من تصاعد التحديات الأمنية، شدد الأمين العام على أن دول الخليج تضع مصالحها الوطنية نصب أعينها، وتسعى دوماً إلى أفضل السبل للتعامل مع الأزمات بعيداً عن منطق التصعيد غير المحسوب. وأشار في حوار خاص إلى أن دول المجلس ترغب في إقامة علاقة طبيعية مع إيران، مبنية على حسن الجوار، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وبين أن بناء منظومة دفاعية قوية، مثل القبة الحديدية الخليجية، لا يتناقض مع السعي لعلاقات متوازنة، بل يعزز قدرة دول المجلس على التفاوض من موقع قوة وثقة بالنفس.
أمن الخليج العربي وحدة متكاملة ومنظومة دفاعية برؤية مشتركة
اختتم البديوي بالتأكيد على أن أمن دول الخليج العربي «وحدة متكاملة»، وأن أي خلل أمني في دولة واحدة ينعكس على بقية الدول. ومن هذا المنطلق، يأتي مشروع القبة الصاروخية الخليجية بوصفه تجسيداً عملياً لفكرة الأمن الجماعي، حيث تُبنى منظومة دفاعية مشتركة تحمي أراضي ومجالات الدول الست في إطار واحد. وبين أن الطريق ما زال يتطلب عملاً فنياً وسياسياً مكثفاً، لكن الإرادة السياسية متوفرة، والقناعة تتعزز بأن الدفاع المشترك هو الخيار الاستراتيجي الأنجع لحماية دول الخليج ومصالح شعوبها في بيئة إقليمية شديدة التعقيد.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content:


