تسونامي المحيط الهادئ… موجات عاتية تجتاح الآلاف من الكيلومترات وتصل ارتفاعات مرعبة

تسونامي المحيط الهادئ... موجات عاتية تجتاح الآلاف من الكيلومترات وتصل ارتفاعات مرعبة

تسونامي المحيط الهادئ… موجات عاتية تجتاح الآلاف من الكيلومترات وتصل ارتفاعات مرعبة

شهد المحيط الهادئ من جديد فصلاً مرعباً من فصول الطبيعة العنيفة بعد أن ضرب زلزال هائل بقوة 8.8 درجات قبالة أرخبيل كامتشاتكا في أقصى الشرق الروسي، مخلِّفاً موجاتٍ تسونامي ضخمة اخترقت البحار وقطعت آلاف الأميال بسرعة خارقة، لتجتاح السواحل وتُغرِق المدن والبلدات، وتعيد إلى الأذهان الكوارث الطبيعية المدفونة في ذاكرة البشرية.

ميلاد كارثة تحت سطح البحر

تتولد الموجات العاتية للتسونامي عندما تتعرض قيعان البحار لزلزال عنيف يُحدث إزاحة هائلة وفجائية لكتل ماء ضخمة. بخلاف الموجات السطحية المعتادة، يبدأ التسونامي في أعماق المحيط على هيئة موجات منخفضة الارتفاع ومتفارقة في المسافة، لأن كتلة المياه المدوّمة تندفع عبر الأعماق بسرعة تتجاوز 800 كيلومتر في الساعة، أي بما يعادل سرعة طائرة ركاب حديثة. ومع كل ميل تقطعه هذه الموجات، لا تخسر تقريباً شيئاً من طاقتها الكامنة.

تزداد خطورة التسونامي كلما اقترب من الشواطئ، إذ يبدأ قاع البحر بالارتفاع التدريجي، ما يؤدي إلى انضغاط الموجات وتضييق المسافة بينها، وتركيز طاقتها الهائلة في حجم عمودي أصغر وأعلى. عندها تتباطأ السرعة وتزداد الارتفاعات بطريقة مخيفة، فتصبح الموجة التي لم يكن ارتفاعها يتجاوز المترين فوق الأعماق تقفز إلى عشرات الأمتار لحظة وصولها الشاطئ، وقد يبلغ ارتفاعها في بعض الحالات المرعبة أكثر من 20 متراً.

كيف تختلف موجات التسونامي عن الأمواج العادية؟

الموجات العادية على سطح المحيطات تتولد من حركة الرياح أو التبدلات الجوية، وتبقى معظم طاقتها محفوظة عند الطبقات السطحية، ما يؤدي إلى تلاشي تأثيرها تدريجياً كلما ابتعدت عن مركز نشوئها. أما التسونامي، فتلعب الطاقة الضخمة للزلزال تحت البحر الدور الحاسم في ولادته واستمراريته، إذ يدفع ملايين الأطنان من الماء عبر كامل عمق المحيط.

الأمثلة كثيرة على هذه الكوارث، فزلزال تشيلي التاريخي عام 1960 بقوة 9.5 درجات، أطلق تسونامي عبر البحر وصل إلى سواحل اليابان على بعد آلاف الكيلومترات، وألحق هناك دماراً هائلاً بعد أيام من الكارثة الأصلية.

Web_Photo_Editor-6-43 تسونامي المحيط الهادئ... موجات عاتية تجتاح الآلاف من الكيلومترات وتصل ارتفاعات مرعبة

مشاهد وأرقام من تسونامي الأربعاء

حسب السلطات الروسية، اجتاحت موجات تسونامي مناطق واسعة في شمال أرخبيل كوريل وصولاً إلى مدن مثل توسناميسيفيرو-كورليسك، كما غمرت المياه الشوارع في إليزوفسكي وبلغ ارتفاع الموجات بين 3 و4 أمتار. أما اليابان، فقد سجلت في منطقة أيواتي الشمالية موجات تراوحت ارتفاعاتها أيضاً بين 2 و3 أمتار، وسط تحذيرات واسعة أطلقتها وكالة الأرصاد الجوية اليابانية لسكان السواحل المطلّة على المحيط الهادئ.

يكشف المتخصصون أن موجات التسونامي رغم قطعها مسافات شاسعة تظل محافظة على قدر هائل من طاقتها، لذا فإن الدول الواقعة على أحزمة الزلازل حول المحيط الهادي تعيش في حالة تأهب دائم، وتدير شبكات للرصد والتحذير مبنية على تجارب مؤلمة وعِبَر تاريخية ثقيلة.

أسباب التسونامي: من الزلازل إلى الانهيارات وحتى البراكين

سُجل أن أكبر موجات التسونامي نشأت عن زلازل ضخمة بقاع البحر، لكن هناك أسباب أخرى أكثر ندرة يمكن أن تُحدث المأساة نفسها. فعلى سبيل المثال، الانهيارات الأرضية تحت الماء تسببت في تسونامي مهلك في بابوا غينيا الجديدة عام 1998 أودى بحياة أكثر من ألفي شخص. كذلك أدى ثوران بركان كراكاتوا بين جاوا وسومطرة عام 1883 إلى حدوث إحدى أشهر كوارث التسونامي في التاريخ الحديث، موقعًا حوالي 36,400 قتيل.

ولا تقتصر الظواهر على النشاط الزلزالي أو البركاني فقط؛ فحتى التبدلات الحرارية الشديدة والعواصف القوية قادرة في بعض الحالات على تحريك كميات ضخمة من الماء وتوليد موجات مد صغيرة.

كوارث لن تُمحى من الذاكرة

تكشف أرشيفات الكوارث والأحداث التاريخية عن الحجم الحقيقي لخطر التسونامي، فكارثة 26 ديسمبر 2004 التي ضربت جنوب شرق آسيا بسبب زلزال ضخم قرب سومطرة وصلت شدته إلى ما يعادل 23,000 قنبلة نووية كتلك التي أُلقيت على هيروشيما، وأسفرت عن مقتل حوالي 220 ألف إنسان في أكثر من 10 دول.

وفي مارس 2011، ضرب زلزال بقوة 9 درجات قبالة سواحل اليابان تلاه تسونامي ضخم اجتاح الشواطئ، ودمر مدناً وبلدات وحصد أكثر من 20 ألف قتيل وجريح، وتسبب كذلك بكارثة نووية في محطة فوكوشيما.

وقد سجلت حضارات البحر المتوسط والتاريخ القديم موجات تسونامي، إذ تحدث المؤرخ الروماني أميانوس مارسيلوس عن موجة اجتاحت مدينة الإسكندرية في مصر عام 365 ميلادية، مؤكداً أن الظاهرة لا تقتصر على المحيط الهادئ أو الزلازل الحديثة فقط.

الرصد والإنذار… السبيل الوحيد للنجاة

في عالم اليوم، تدرك الدول الساحلية أن نجاة السكان من التسونامي مرهون بسرعة الرصد وفعالية نظم التحذير المبكر. لهذا تتعاون دول المحيط الهادئ والدول الواقعة على خطوط الزلازل في تبادل البيانات اللحظية حول الزلازل والنشاط البحري، وتتشارك المعلومات بشكل فوري لمنح السكان دقائق قد تكون الفارق بين الحياة والموت.

تبقى موجات التسونامي أعجوبة الطبيعة المروعة، تجمع بين العنف المدمر والقدرة على عبور آلاف الأميال دون أن تفقد طاقتها. وبينما تستمر البشرية في سباق مع الزمن والتكنولوجيا لكشف أسرار البحر العميق والوقاية من الكوارث الطبيعية، تذكّرنا كل موجة عاتية جديدة أننا ما زلنا ضيوفًا على كوكب تحكمه قوى طبيعية أقوى من كل حدودنا وأسوارنا.

 

ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.

موقع المنبر

Share this content: