ترامب يبرم “أكبر صفقة تجارية” مع الاتحاد الأوروبي
تخفيف الرسوم الجمركية وانفتاح الأسواق
في تحول بارز أنهى أشهراً من التوتر التجاري بين عملاقي الاقتصاد العالمي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التوصل إلى اتفاق تجاري شامل في مدينة تيرنبيري الاسكتلندية، يقضي بتسوية الملف الأعقد في العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبروكسل، ووضع حدٍ لمنزلق المواجهة التجارية المباشرة بين الطرفين.
تفاصيل الاتفاق: رسوم موحدة واستثناءات استراتيجية
جاءت أبرز بنود الاتفاق حول فرض رسوم جمركية أمريكية نسبتها 15% على معظم السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، مقارنة بتهديدات سابقة من ترامب بفرض تعريفة جمركية تبلغ 30% اعتباراً من أغسطس، وهو ما جنّب أوروبا موجة تصعيد كانوا يستعدون للرد عليها بخطوات مماثلة على المنتجات الأمريكية.
شمل الاتفاق بنوداً مهمة، أبرزها:
-
إعفاء المنتجات الدوائية وبعض المعدات الطبية والطائرات من الرسوم الجمركية، ما يحمي سلاسل التوريد الحيوية للطرفين.
-
فتح الأسواق الأوروبية بالكامل أمام المنتجات والصادرات الأمريكية، خصوصاً في قطاعات السيارات والزراعة والطاقة.
-
سحب تهديدات ترامب السابقة بتوسيع رسوم الحديد والألومنيوم مع الإبقاء على رسوم تبلغ 50% على هذين القطاعين تحديداً.
-
التزام أوروبي بشراء معدات عسكرية أمريكية وزيادة حصة الاستثمار في الاقتصاد الأمريكي بمبلغ إضافي يصل إلى 600 مليار دولار، إلى جانب استيراد طاقة أمريكية – خاصة الغاز الطبيعي المسال والنفط – بقيمة 750 مليار دولار، بهدف تقليل الاعتماد على روسيا.
الأبعاد الاقتصادية: توازن للمصالح… ولكن
الاتفاق اعتبره ترامب “الأكبر على الإطلاق”، مؤكداً أنه يضمن استقرار العلاقات الاقتصادية ويقود إلى انتعاش ضخم في تجارة الطاقة والصناعات الدفاعية بين أمريكا وأوروبا. وفي المقابل، وصفت فون دير لاين الصفقة بأنها “اتفاق ضخم” سيحقق الاستقرار لكلا الحليفين، مشددة على أن الطرفين يشكلان معًا أكثر من ثلث التجارة العالمية.
وعلى صعيد الميزان التجاري، استوردت الولايات المتحدة في عام 2024 بضائع من الاتحاد الأوروبي بقيمة 606 مليارات دولار مقابل 370 مليار دولار فقط صدرتها لأوروبا، وهو ما اعتبره ترامب عجزًا أمريكيًا هائلاً عازمًا على تقليصه عبر هذه التدابير الجديدة. ويُتوقع أن تولد الرسوم الجمركية المفروضة نحو 90 مليار دولار سنوياً لخزينة الحكومة الأمريكية.
تداعيات الاتفاق على الأسواق العالمية
مثل التوصل إلى هذا الاتفاق دفعة قوية لسوقي الأسهم والعملات، حيث تحسنت التوقعات بانخفاض حدة التصعيد في حرب الرسوم الجمركية التي ألقت بظلالها مؤخراً على الاستثمارات وتدفقات رأس المال العالمية.
من ناحية أوروبا، وبرغم اضطرارها للقبول برسوم موحدة على معظم صادراتها بمعدّل 15%، فقد تمكنت من تفادي الرسوم الأعلى التي كان يمكن أن تطاول سلعاً إستراتيجية مثل الأدوية والجلود والإلكترونيات الألمانية والأجبان الفرنسية، وتحفظت لنفسها حق استخدام تدابير احتياطية لو تصاعدت أي إجراءات أمريكية في المستقبل.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد وسّعت قاعدة صادراتها الاستراتيجية وفرضت معادلة جديدة في مجال الاستثمار الأجنبي وتجارة الطاقة، التي ستشهد بحسب الاتفاق تدفقات غير مسبوقة من الأموال الأوروبية، مع فتح الباب أمام بيع المزيد من الغاز والنفط والوقود النووي للأسواق الأوروبية.
المشهد السياسي والدبلوماسي: من التهديدات إلى الشراكة
يأتي هذا الاتفاق بعد أسابيع من تصاعد خطابات ترامب بشأن الرسوم الجمركية على أبرز الشركاء التجاريين، حيث هدد بفرض رسوم أعلى على دول مثل اليابان وفيتنام وبريطانيا – إلا أن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي جاء ليضع حداً لهذا التصعيد، وخاصة مع نجاح لندن في الحصول على تسهيلات جمركية بنسبة 10% فقط على صادراتها إلى أمريكا.
الجدير بالذكر أن ترامب أبرم الصفقة مع فون دير لاين في ملعب الغولف الخاص به في تيرنبيري باسكتلندا، حيث يزور بريطانيا في جولة سياسية واقتصادية تتضمن لقاء مرتقباً مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وافتتاح منشآت جديدة للاستثمارات العائلية.
الاتفاق كتجربة تفاوضية ودرس استراتيجي
تميزت المفاوضات بشراسة واضحة من الجانبين، حيث وُصفت فون دير لاين بـ”المفاوضة الصعبة” وترامب بـ”البارع في إبرام الصفقات”. وبرغم فشل ترامب في تحقيق هدفه المعلن بإبرام تسعين صفقة خلال 90 يوماً، إلا أن هذا الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يمثل أهم إنجازاته التجارية للعام الحالي، وهو يحوّل مسار العلاقات بين أقوى تكتل اقتصادي في العالم وأكبر اقتصاد منفرد.
تعكس هذه التطورات أهمية الاتفاقيات التجارية العالمية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي واحتواء النزاعات التجارية، وتؤكد مدى الترابط بين الأسواق الأمريكية والأوروبية كركيزتين لا غنى عنهما في الاقتصاد الدولي.
في الختام، يسجل الاتفاق التجاري الجديد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن أبرز الصفقات التجارية لعام 2025، كونه خفف التوتر الجمركي، وأعاد ضبط مسار التبادل الاقتصادي بين طرفي الأطلسي، وفوّت على الأسواق شبح أزمة تجارية جديدة كان من شأنها أن تعصف بأكبر الصناعات وتعرقل تدفق البضائع والاستثمارات بين جانبي الأطلسي. سيبقى الاتفاق مرجعاً ورافعة لشراكات واستثمارات تقدر بمئات المليارات خلال السنوات المقبلة، ويعيد ترتيب أولويات التجارة العالمية في ضوء صراعات الرسوم الجمركية وتقلبات الأسواق.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content: