البلاتين يقفز 80% في 2025 ويسجل أقوى مكاسبه منذ 38 عاماً
المعدن الفضي يستفيد من خصمه السعري مع الذهب ونقص المعروض للعام الثالث
مع اقتراب نهاية عام 2025، يلفت البلاتين الأنظار بقوة في أسواق السلع، بعد أن حقق قفزة سعرية تتجاوز 80% خلال العام، ليصبح على أعتاب تسجيل أقوى مكاسب سنوية منذ بدء تداوله في البورصات قبل نحو 38 عاماً. هذا الأداء اللافت يعيد المعدن الفضي إلى صدارة المشهد بعد سنوات من التراجع خلف الذهب، ويثير تساؤلات المستثمرين حول ما إذا كان البلاتينوم قادراً على الحفاظ على هذا الزخم في 2026، خاصة مع استمرار الحديث عن نقص المعروض واتساع الفارق بين أسعار الذهب والبلاتين.
سجل البلاتين أعلى مستوى له هذا العام في أكتوبر عندما لامس قليلاً فوق 1730 دولاراً للأونصة، ثم عاد ليقترب من هذا المستوى مجدداً في مطلع ديسمبر، وهو المستوى الأعلى منذ فبراير 2013 تقريباً. هذا الصعود التاريخي يعكس تغيراً عميقاً في رؤية السوق لهذا المعدن الثمين، الذي لطالما اعتُبر أقل جاذبية من الذهب والفضة من منظور الاستثمار طويل الأجل، قبل أن تعيد تحركات 2025 ترتيب الأولويات.
يرجع المحللون هذه القفزة إلى عاملين أساسيين
الأول هو الخصم السعري الكبير للبلاتينوم مقارنة بالذهب خلال السنوات الأخيرة، والثاني هو حالة السوق الصعبة ووضوح العجز الهيكلي في المعروض. فبحسب تحليل كارستن فريتش، محلل السلع في كومرتس بنك، فإن انخفاض قيمة البلاتين مقابل الذهب، إلى جانب محدودية الإمدادات، شكّلا قوة دافعة رئيسية وراء ارتفاع الأسعار، مع عودة المستثمرين للرهان على المعدن الذي بدا “مُهملاً” لفترة طويلة.
على مدى فترة طويلة
تخلف سعر البلاتين عن اللحاق بالارتفاعات القياسية للذهب. نتيجة ذلك، اتسعت نسبة الذهب إلى البلاتين إلى مستوى قياسي يقارب 3.6 في أبريل؛ أي أن الذهب أصبح أغلى بنحو ثلاث مرات من البلاتينوم. هذا الفارق غير المسبوق في تاريخ المعادن الثمينة جعل الكثير من مديري الأصول ينظرون إلى البلاتين كفرصة استثمارية “قيمة” (Value Trade)، خصوصاً لمن يركزون على فارق السعر بين الذهب والبلاتين ضمن محافظ المعادن.

اليوم ما يزال الفارق في السعر بين الذهب والبلاتين يتجاوز 2500 دولار للأونصة
وهو أعلى بكثير مما كان عليه في بداية العام، ما يعني أن البلاتين، رغم ارتفاعه القوي، لم يغلق بعد فجوة السعر التاريخية مع الذهب. وبالأرقام الأخيرة، سجل البلاتينوم في تداولات الاثنين حوالي 1633 دولاراً للأونصة بحلول الساعة 21:53 بتوقيت غرينتش، وفق بيانات منصات الأسعار الفورية، ليثبت داخل نطاق مرتفع نسبياً مقارنة بمستويات ما قبل 2025، مع ترك مساحة محتملة لمزيد من الصعود إذا استمرت الظروف نفسها.
على جانب المعروض
تزداد الصورة وضوحاً لصالح استمرار دعم الأسعار. فوفقاً لتقديرات المجلس العالمي لاستثمار البلاتين، من المتوقع أن يشهد سوق البلاتينوم نقصاً كبيراً في الإمدادات للعام الثالث على التوالي في 2025، ما يعزز سردية “الضيق الهيكلي في السوق”. يتوقع المجلس أن يختتم العام بعجز يقارب 692 ألف أونصة، بتراجع طفيف بحدود 2% على أساس سنوي، لكنها تظل المرة الثالثة توالياً التي يسجل فيها السوق عجزاً ملموساً بين العرض والطلب، وهو مؤشر مهم لأي مستثمر في المعادن الثمينة.
المفارقة
أن هذا العجز يأتي رغم الحديث عن زيادة في إمدادات التعدين وإعادة التدوير، ما يعني أن نمو الطلب – سواء الصناعي أو الاستثماري – يتجاوز وتيرة نمو الإمداد. ويشير تقرير المجلس إلى أن العجز في سوق البلاتين قد تفاقم خلال 2025 بفعل تدفقات استثمارية مرتبطة بالتوترات التجارية العالمية، إذ اتجهت بعض رؤوس الأموال إلى البلاتينوم كأداة تحوّط بديلة بجانب الذهب في بيئة تشوبها المخاوف من التضخم والرسوم الجمركية والضبابية الجيوسياسية.
مع ذلك، لا يتوقع الخبراء أن يستمر هذا العجز بالحدة نفسها إلى ما لا نهاية؛ إذ تشير التوقعات إلى احتمال حدوث قدر أكبر من التوازن في السوق خلال العام المقبل، مع تراجع بعض المخاوف من التعريفات الجمركية، وهدوء نسبي محتمل في وتيرة التوترات التجارية. غير أن هذه الرؤية الأكثر تفاؤلاً تظل مشروطة؛ فإذا استمرت التوترات أو تجددت النزاعات التجارية والاقتصادية، فمن المرجح أن يشهد عام 2026 انخفاضاً جديداً في عرض البلاتين عن الطلب، ما يعني امتداد أزمة نقص المعروض لعام رابع على التوالي.
تقرير المجلس العالمي لاستثمار البلاتين
يلفت أيضاً إلى مؤشرات أخرى على ضيق السوق، أبرزها الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات (Leasing Rates) الخاصة بالبلاتين، وهي تكاليف استئجار المعدن في المعاملات المالية والصناعية، إلى جانب التراجع الحاد في أحجام التداول في سوق العقود الآجلة خارج البورصة في لندن. هذه المؤشرات الفنية تعكس صعوبة الحصول على كميات كبيرة من المعدن في السوق الفورية، ما يدعم السردية القائلة إن سوق البلاتين “مشدد” (Tight Market) بامتياز.

للمستثمرين
تعني هذه المعطيات أن البلاتينوم يتحول تدريجياً إلى لاعب رئيسي في سوق المعادن الثمينة، ليس فقط بسبب أدائه السعري القوي في 2025، بل أيضاً نتيجة بنيته الأساسية من حيث العرض والطلب. فالاستثمارات في البلاتين ترتبط عادةً بعوامل صناعية (في المحولات الحفازة لصناعة السيارات، والخلايا الوقودية، وبعض التطبيقات الكيماوية) إضافة إلى دوره المتزايد كمعدن استثماري بديل أو مكمل للذهب. ومع استمرار الحديث عن التحول للطاقة النظيفة وتقنيات الهيدروجين، تزداد الرهانات على أن الطلب الصناعي على البلاتين سيبقى داعماً للأسعار على المدى المتوسط والطويل.
في المقابل، لا تخلو الصورة من المخاطر
فإذا تحسن المعروض بوتيرة أسرع من المتوقع، أو تراجع الطلب الصناعي نتيجة تباطؤ اقتصادي عالمي، أو قررت البنوك المركزية تشديد السياسة النقدية مجدداً، فقد يتعرض المعدن لجني أرباح قوي بعد مكاسب 80% في عام واحد. كما أن الفارق السعري الكبير مع الذهب قد يدفع بعض المتداولين إلى إعادة موازنة المحافظ، ما يخلق موجات تذبذب حادة في أسعار البلاتين على المدى القصير.
مع نهاية 2025، يبدو المشهد واضحاً
البلاتين حقق واحدة من أقوى موجات الصعود في تاريخه الحديث، مستفيداً من خصمه السعري مع الذهب، ومن سوق يعاني نقصاً في المعروض للعام الثالث على التوالي. وبين سيناريو سوق أكثر توازناً في 2026 إذا هدأت التوترات التجارية، وسيناريو استمرار العجز إذا تجددت الأزمات، سيبقى هذا المعدن الفضي محور اهتمام المستثمرين وصنّاع القرار في سوق السلع، ورقماً صعباً في معادلة المعادن الثمينة في السنوات المقبلة.
ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.
Share this content:


