أهداف قمة الاسكا: بوتين يبحث عن اعتراف وترامب يسعى لسلام تاريخي

أهداف قمة الاسكا: بوتين يبحث عن اعتراف وترامب يسعى لسلام تاريخي

أهداف قمة الاسكا: بوتين يبحث عن اعتراف وترامب يسعى لسلام تاريخي

لقاء جديد بين واشنطن وموسكو يرسم مستقبل أزمة أوكرانيا ومسار الصراع الدولي

يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الجمعة في ولاية ألاسكا، في قمة تحمل في طياتها رهانات ضخمة وسط اختلاف كبير في تطلعات كلا الزعيمين من خلف طاولة المفاوضات. القمة، التي تُعقد على خلفية الحرب المستعرة في أوكرانيا، تأتي فيما تتمسك موسكو بمواقفها التقليدية بينما يسعى ترامب لإثبات نفسه كـ”صانع سلام” عالمي.

بوتين: اعتراف عالمي بالوجود الروسي وطموح لإعادة رسم الجغرافيا

يأتي الرئيس الروسي إلى ألاسكا مدفوعاً برغبة واضحة في كسر العزلة الغربية وانتزاع اعتراف رسمي من أقوى دولة في العالم بفشل محاولات تهميش موسكو وإقصائها عن الساحة العالمية. مجرد قبول ترامب للقمة، وإعلان انعقاد مؤتمر صحفي مشترك بعدها، يمثل دلالة رمزية على أن روسيا عادت إلى “طاولة الكبار” في السياسة الدولية.
واختيار ألاسكا يحمل دلالات تاريخية عميقة لموسكو، فالمنطقة ليست بعيدة جغرافياً عن روسيا، وتذكر الروس بصفقة القرن التاسع عشر التي تنازلت فيها إمبراطورية القيصر عن ألاسكا لصالح الولايات المتحدة، وهو ما يستغله بوتين اليوم لتسويق فكرة “إمكانية تغيير الحدود” في خضم إدارة الصراعات.

مع ذلك، لا يكتفي الكرملين بالرمزية أو الاعتراف الدبلوماسي. بوتين أوضح أن الهدف الاستراتيجي الأبرز لبلاده هو الحفاظ على جميع الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية في أوكرانيا (دونيتسك، لوهانسك، زابوريجيا، خيرسون)، إضافة إلى انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها هناك. بالنسبة للكرملين، التنازل عن هذه النقاط غير وارد، ويسعى لأن يحصل من ترامب على دعم علني لهذه المطالب، خاصة أن ذلك قد يُترجم عملياً بتقليص أو إنهاء الدعم الأمريكي لكييف.

في الوقت نفسه، يواجه الاقتصاد الروسي ضغوطاً داخلية متصاعدة، مع تزايد العجز والتراجع النسبي لإيرادات الطاقة. إن أراد بوتين إنجاز صفقة تسمح له بالحفاظ على مكاسب ميدانية مقابل تنازلات في ملفات أخرى أبرزها العقوبات وتطبيع العلاقات الاقتصادية فسيكون هذا أحد سيناريوهات قمة ألاسكا، رغم أن مواقف موسكو الرسمية لا تزال تؤكد رغبة روسيا في مواصلة “المبادرة” ميدانياً.

Web_Photo_Editor-6-27 أهداف قمة الاسكا: بوتين يبحث عن اعتراف وترامب يسعى لسلام تاريخي

ترامب: صانع سلام أم صفقة سريعة؟

في المقابل، يدخل ترامب القمة بنهج أقل وضوحاً، فجملة تصريحاته ومواقفه الأخيرة إزاء الحرب في أوكرانيا بدت متقلبة بين منحى يدعم كييف تارة ويضغط عليها تارة أخرى. سبق أن انتقد الدعم اللامحدود لأوكرانيا، وقطع مساعدات في لحظات حرجة، قبل أن يعاود تهديد موسكو بعقوبات قاسية، أو يتحدث عن أهمية لقاء بوتين للوصول إلى مخرج دبلوماسي.
الهدف المركزي لترامب، كما كرره خلال حملته الانتخابية، هو إنهاء حرب أوكرانيا وكتابة إرث رجل السلام. يرى في وقف النزاع بسرعة إنجازاً قد يخلّد اسمه ويحوله إلى مرشح دائم لجائزة نوبل للسلام. ويدرك ترامب أن ذلك لن يتحقق إلا عبر صياغة اتفاق يرضي موسكو ويحقق مكاسب داخلية وخارجية للبيت الأبيض، دون أن يغضب كييف أو الأوروبيين بدرجة تتسبب بتصدع التحالف الأطلسي.

ومع أنه ألمح لإمكانية قبول “تبادل الأراضي” كقاعدة للتسوية وهو ما ترفضه الحكومة الأوكرانية رفضاً قاطعاً إلا أنه تراجع مراراً عن فرض رؤيته بحجة أن القرار النهائي بيد الأوكرانيين أنفسهم. كما حاول أكثر من مرة إشراك الرئيس زيلينسكي مباشرة في حوارات، كي لا يتحمل مسؤولية تقديم تنازلات صريحة عن الأراضي الأوكرانية.

لقاء يخفي حسابات أعمق من أوكرانيا وحدها

تُشير مصادر مطلعة إلى أن قمة ألاسكا لن تقتصر على ملف الحرب فقط، فجدول الأعمال يحمل في طياته قضايا اقتصادية حساسة ومساعي لإعادة ضبط العلاقات الثنائية، مع إمكانية التوصل لترتيبات جديدة في مجالات التعاون الاقتصادي، ورفع أو تخفيف العقوبات على روسيا، في حال أبدت مرونة معينة تجاه القضية الأوكرانية. ولعل مشاركة بعض كبار المسؤولين الاقتصاديين والعسكريين الروس في الوفد المصاحب لبوتين دليل على أن موسكو ترغب بضمانات أبعد من الواقع الميداني.

أما من الناحية الأمريكية، فيسعى ترامب لاستخدام “جزرة” الالتزامات الأمنية لأوكرانيا دون عضوية الناتو من أجل دفع موسكو للتسوية، وفي نفس الوقت تأكيد أن الولايات المتحدة لا تزال المايسترو في ترتيبات الأمن الأوروبي، حتى ولو بدا الحلفاء في حالة شك وريبة من سياسات واشنطن الجديدة.

أوروبا.. بين القلق والمراقبة

يبقى المشهد الأوروبي الأكثر غموضاً وقلقاً، فقد بدا واضحاً من تصريحات القادة الأوروبيين وأوكرانيا أنهم يخشون من صفقة ثنائية أمريكية-روسية تؤدي إلى تسويات قسرية لا تراعي تطلعات كييف ولا تحفظ أمن القارة العجوز.
من هنا، فإن أعين العواصم من بروكسل حتى وارسو تترقب نتائج قمة ألاسكا، ومدى احتمال بقاء الغرب موحَّداً خلف أوكرانيا، أم أن براغماتية ترامب وبوتين ستفرض مقاربة “صفقات الكبار” بعيداً عن الإجماع الدولي.

 

ابقَ على اطلاع دائم بكل جديد في العالم مع المنبر، منصتكم للأخبار الموثوقة.

موقع المنبر

Share this content: